| 0 التعليقات ]

بنقرة زر، تشتري عن «أمازون» الكتاب والحذاء، مروراً بالغذاء.. فكل شيء متاح إلكترونياً، ربما باستثناء تصفيفة الشعر. كلمة تلو الكلمة، تصنع مقالاً نشأ أولاً على جهاز كمبيوتر. أخبار الأصدقاء تقتفيها عبر «فايسبوك». تتحدث مع البعيدين منهم عبر «سكايب».
الأخبار الآنية تستقيها من «تويتر». موسوعتك باتت في متناول يدك، على «غوغل». رسائل تردك لحظة بلحظة على بريدك الإلكتروني... البشر باتوا «متصلين» أكثر من أي وقت مضى. فهل ذلك حميد؟ ربما يتعيّن أن نسأل ملوك الانترنت، أو من يسميهم أستاذ التاريخ في جامعة «هارفرد» نيال فيرغوسون، بـ«الفرسان الأربعة»، أي مبتكري: «أمازون»، و«آبل»، و«فايسبوك»، و«غوغل».
ملوك النت
«ملوك النت» هؤلاء، هم من بين الأكثر ذكاءً على وجه المعمورة. لذا، لا يرى فيرغوسون، في مقال نشرته مجلة «نيوزويك» الأميركية، ضيراً في أن يسألهم «ما إذا كانت الشبكة المذهلة التي خلقوها، بما فيها من مميزات السرعة وسعة الاستيعاب، تنطوي على ثغرة مثلاً، على هشاشة ما، هل يطرأ عليها التقلب الذي يحكم أسواق المال مثلاً؟». هو يتحدث عن إمكانية أن تصبح الشبكة الإلكترونية العالمية، التي شكّتلها أدمغة بشرية، «غير مستقرة... بالوراثة». ثلاثمئة مليار «إيميل» في عام!
ويؤجل الكاتب في «نيوزويك» توضيح ما يعنيه حتى نهاية التقرير، الذي استهلّه باستعادة لنشأة «ثورة الاتصالات»، التي قادتها قوتان. القوة الأولى هي «قانون» غوردون مور، الذي طُرح للمرة الأولى في العام 1965، وينص على أن يتضاعف عدد أجهزة الترانزيستور، التي يمكن وضعها بلا تكلفة تُذكر على شبكة متكاملة، كل 18 شهر تقريباً. في المختصر، ينص قانون غوردون على أن تتضاعف قوة العمل على الكمبيوتر في كل عامين. وهو أمر حصل طوال نصف قرن، ويتوقع أن يستمر حتى العام 2015 أو 2020 على الأقل.
القوة الثانية التي تحكم «ثورة الاتصالات» تكمن في نمو الشبكات البشرية. البريد الإلكتروني الأول أرسل في معهد مساتشوستس للتكنولوجيا، أي في العام ذاته الذي صدر فيه قانون مور. في العام 2006، تبادل البشر خمسين مليار رسالة إلكترونية، وقد قفز الرقم إلى ثلاثمئة مليار العام الماضي.
الانترنت ولد في العام 1982، وحتى العام 1993، كانت الاتصالات التي تتم عبره تشكل نسبة واحد في المئة فقط من مجموع الاتصالات التي تجري بين البشر. بحلول العام 2000، قفزت النسبة لتصبح 51 في المئة. وهي الآن 97 في المئة.
في 2004، حلم مهووس ما من «هارفرد» بـ«فايسبوك». الآن، ثمة ثمانمئة مليون مستخدم انتسبوا إلى الموقع، أي ثماني مرات أكثر من العدد المسجل قبل ثلاث سنوات.
ومع احتمال تضاعف عدد الأشخاص المتصلين بالشبكة، من مليارين إلى أربعة مليارات خلال السنوات العشر المقبلة، ومع ارتفاع عدد الأجهزة الموصولة إلى الانترنت إلى أربعة أضعافها، من خمسة مليارات إلى عشرين مليارا، «سيحصل البشر على المزيد من المعرفة، وسيزدادون ذكاء»، كما قال فيرغوسون.
«داتا» الكون تولد اليوم في يومين
نقل الكاتب في «نيوزويك» عن الخبير الرأسمالي الروسي يوري ميلنر قوله في مؤتمر عقد في أوكرانيا في منتصف أيلول الماضي، ان «الداتا التي توازي الحجم الإجمالي للمعلومات التي تم تناقلها منذ بدء الحضارة البشرية وحتى العام 2003، يمكن إعادة توليدها خلال يومين فقط». للتعامل مع الحمولة الفائضة من المعلومات، يتطلّع ميلنر إلى انبثاق ما يسمّيه «عقل عالمي مكوّن من كل العقول البشرية المربوطة إلكترونياً ببعضها، وتكون موصولة الى الآلة، تتفاعل بطريقة فريدة وعميقة في آن، لتخلق ذكاء لا يعود إلى فرد بعينه أو جهاز كومبيوتر بعينه».
هذا الدماغ العالمي، كما يتخيّله «غوغل»، هو من سيقوم بالجزء الأكبر من عملية التفكير «نيابة عنا»، هو من سيقول لنا أي أصدقائنا يتجول الآن على مقربة منا، وأين يمكننا أن نجذ البدلة الأفضل بأرخص الأسعار. وإذا وجدنا تلك البدلة على «أمازون»، نشتريها بنقرة زر. وقبل أن نصل إلى منزلنا، تكون البدلة قد أصبحت في خزانتنا.
الكمبيوتر الانفعالي
كما أن شبكات الكمبيوتر تخلط المشاعر البشرية البدائية كالخوف والحب والكراهية، وتضخّمها. والدليل الأول على ذلك، برأي فيرغوسون، هو «السلوك الأخير الذي شهدته الأسواق المالية العالمية»، موضحاً أن «مؤشر فيكس» الذي يقدّر احتمالات التقلّبات في الأسواق المالية الأميركية استناداً إلى الأسعار، بلغ مستوى قياسياً بامتياز عقب انهيار مصرف «ليمان براذرز»، قبل أن يعاود صعوده فوق الثلاثين في أوائل العام 2010، ومجددا خلال الصيف المنصرم. جزء من ذلك يعدّ، ببساطة، أزمة مالية بشرية الصنع. لكن جزءاً من التقلّب الذي طرأ على الأسواق خلال السنوات الأربع الماضية «يُنسب حتماً للتكنولوجيا»، كما قال فيرغوسون، قبل ان يتساءل عن إمكان «أن يحصل هذا التقلّب الحاد في أسواق أخرى».
ثم يجيب الكاتب في «نيوزويك» بأن الجواب ربما يكون «نعم»، والدليل هو «كيف قام خصوم اليونان الماليين بزعزعة استقرار الأسواق في سائر أنحاء أوروبا والعالم خلال الأشهر القليلة الماضية». وتابع فيرغوسون أن سرعة تبني الأميركيين للتكنولوجيا الحديثة زادت ثمانية أضعاف خلال القرن الماضي. وقد رافق ذلك «تحوّل المستهلكين إلى قوة متقلّبة هي أيضاً». الملايين اشتروا جهاز «بلاك بيري». والآن، بات «أي فون» هو الموضة. مؤخراً، أطلق «أمازون» جهاز «كيندل» في مسعى لكسر هيمنة «أي باد».
سارة بالين رئيسة أميركا!
في السياسة أيضاً، بات الناخبون «الإلكترونيون» أكثر تقلّباً أيضاً. والمرشحون لا يمكنهم مواكبة التقلّب المذكور. بالأمس، كانت سارة بالين مرشحة جدية للرئاسة الأميركية. ثم جاءها ميت رومني، إلى أن تفوق عليه ريك بيري، ثم جاء كريس كريستي. في تلك الأثناء، بلغ عدد الناخبين المستقلين غير المنتمين إلى أي من الحزبين المهيمنين على المشهد السياسي الأميركي «مستوى تاريخياً» بنسبة 37 في المئة.
قوة الكمبيوتر نمت، وكذلك الشبكات الإنسانية. لكن عقل البشري الأول لا يزال هو نفسه، هو عقل يميل إلى التقلّب في مزاجه، من الطمع إلى الخوف، ومن الحب إلى الكراهية.

0 التعليقات

إرسال تعليق